شاهد الغزاليُّ أن الإسلام قد انتقل من القلوب إلى العقول، فانقلب إلى ملاحاةٍ منطقيةٍ لفظية، ومجادلاتٍ فقهيةٍ جامدة. كما شاهد المذاهبَ السياسيةَ وقد تقنَّعتْ بستار الفلسفةِ تارةً، وبستار الدين تارةً أخرى؛ فإن خَلُصَتْ من هذا وذاك، فهي لم تَخْلُصْ تمامًا من ميراث اليونان الوثني، أو من سَبَحاتِ الأفكار المضللة. فأرسل الغزاليُّ صيحةً قديمةً جديدة؛ قديمةً لأنَّها صيحةُ الإسلام في الجزيرة العربية منذ قرون، وجديدةً لأنَّها دوَّتْ في مجتمعٍ أوشك – وقد غرق في بحور الجدل والسفسطة – أن ينسى رحيقَه الأوّل. كانت قوةُ الغزاليِّ التي خَلَّدته كحُجّةٍ للإسلام، أنه استطاع أن يقف في وجه تلك التيارات المتدافقة من المحاورات الفلسفية، والمناظرات الجدلية، والمنازعات الفقهية، وأن يجعل القوةَ الإسلاميةَ المناهضةَ لتلك الزوبعة تتركز فيه، وتتمثّل في تعاليمه وصيحاته المستمدّة من الكتاب والسنة. كان أشبهَ بزعيمٍ وطنيٍّ نبت في شعبٍ ممزّقٍ متخاذلٍ واهنِ الروح؛ فوحَّد صفوفه، وجدَّد روحه، وأحيا إيمانه.
150 صفحة | غلاف ورقي
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.